القوى الخليجية تشكّك في الحماية الأميركية بعد الهجوم الإسرائيلي
فيفيان نيريم - نيويورك تايمز
Thursday, 11-Sep-2025 07:19

إنّ المحاولة الجريئة لاغتيال القادة السياسيِّين لحركة «حماس» في الدوحة قد تقلب أسس النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وقد اشترت أنظمة دفاعية أميركية بمليارات الدولارات، كما أهدت أخيراً طائرة بوينغ فاخرة للرئيس دونالد ترامب.

 

لكن لم يمنع كل ذلك إسرائيل، الحليف الرئيسي لواشنطن، من شنّ هجوم عسكري جريء على الأراضي القطرية الثلاثاء، في محاولة لاغتيال مسؤولين بارزين في «حماس» اجتمعوا لمناقشة مقترح لوقف إطلاق النار لتهدئة الحرب في غزة، وهو اتفاق مدعوم من ترامب.

 

واعتبرت كريستين ديوان، الباحثة البارزة المقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، أنّ «عجز قطر عن حماية مواطنيها مع وجود القيادة المركزية الأميركية فعلياً على أراضيها، دفع السكّان المحليِّين إلى التشكيك في قيمة الشراكة الأميركية. إنّها مشكلة حقيقية بالنسبة إلى قادة الخليج. ويجب أن تثير قلق الولايات المتحدة أيضاً».

 

أثار الهجوم الإسرائيلي صدمة في عواصم الخليج التي سعت إسرائيل في السنوات الأخيرة إلى استمالتها كحلفاء محتملين، وطالما اعتبرت الولايات المتحدة ضامنها الأمني الأساسي.

 

أصاب الهجوم حياً سكنياً في الدوحة، ممّا أدّى إلى تصاعد الدخان الأسود في السماء ومقتل عنصر من قوات الأمن الداخلي القطرية، بدر سعد الحميدي الدوسري، وفقاً لمسؤولين قطريِّين. وبذلك، أصبح أول خليجي يُقتَل على يَد إسرائيل منذ عقود.

 

كانت قطر قد وافقت على استضافة القيادة السياسية لـ«حماس» بناءً على طلب من الولايات المتحدة، ما جعلها وسيطاً محوَرياً في محادثات إنهاء الحرب في غزة. وفي بيان، أكّدت «حماس» مقتل نجل خليل الحيّة، كبير مفاوضيها، إلى جانب 4 آخرين مرتبطين بالحركة في الهجوم.

 

ولم يتضح بعد كيف سيؤثر القصف الإسرائيلي على مفاوضات وقف إطلاق النار، التي كانت متعثرة أصلاً. وأعلن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر، أنّ «لا شيء سيردع» بلاده عن أداء دورها كوسيط، على رغم من اتهامه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاولة «إفشال كل محاولة لخلق فرص للسلام».

 

ويرى محلّلون أنّ الهجوم الإسرائيلي ستكون له ارتدادات تتجاوز قطر بكثير. فتجرؤ دولة ما على شنّ هجوم داخل دولة خليجية يمثل نقطة تحوّل محتملة للمنطقة، التي لطالما هيمنت عليها التحالفات والمصالح الأميركية.

 

وأوضح بدر السيف، الأستاذ المساعد في التاريخ بجامعة الكويت: «إنّها اختبار حقيقي. إذا لم يردّ الخليج بحزم الآن، فسيُصبحون جزءاً من فلك القوة الإسرائيلي ونظام إقليمي تقوده إسرائيل».

 

في السنوات الأخيرة، أصبحت دول الخليج الغنية بالوقود الأحفوري (السعودية، الإمارات، قطر، عُمان، الكويت والبحرين) أكثر طموحاً، مستخدمةً ثروتها الضخمة لبسط النفوذ في العالم. وبالمجمل، تتحكّم هذه الدول بنحو 4 تريليونات دولار من الأصول في صناديقها السيادية، كما أنّ لبعضها تأثيراً كبيراً على أسواق الطاقة العالمية.

 

وتقوم أجنداتها الداخلية على سمعتها كملاذات آمنة للتجارة والاستثمار والسياحة في شرق أوسط متقلب، وهي سمعة ضربها الهجوم الإسرائيلي بشكل مباشر.

 

وأضاف أمير قطر: «نتنياهو نفسه أعلن أنّه سيُعيد تشكيل الشرق الأوسط. فهل هذه رسالة أنّه ينوي أيضاً إعادة تشكيل الخليج؟». أمّا الردّ العسكري من دول الخليج فهو مستبعد، لأنّ أي تصعيد إضافي سيضرّ بأجندات حُكّام الخليج الداخلية.

 

وعلى رغم من الإحباط من السياسة الأميركية في المنطقة، فإنّهم ما زالوا يعتمدون على الدعم العسكري الأميركي. لكن «بإمكانهم استخدام الكثير من الأدوات المتاحة»، بحسب السيف، بما في ذلك الدبلوماسية والضغط الاقتصادي. وأضاف أنّه إذا قرّرت الصناديق السيادية الخليجية اتخاذ خطوات عبر «سحب استثمارات تؤذي المصالح المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة»، فقد يكون لذلك تأثير ملموس.

 

ولم يتضح بعد كيف ستردّ دول الخليج. لكن ما هو واضح أنّها تُشكِّك في جدوى الضمانات الأمنية الأميركية، بعد أشهر فقط من جولة ترامب في المنطقة التي أثنى خلالها على حكامها ووقّع عدداً كبيراً من الصفقات التجارية.

 

وكشف الشيخ محمد، أنّ الولايات المتحدة اتصلت بقطر لتحذيرها من الهجوم، بعد 10 دقائق من وقوعه. فيما أضاف السيف: «من الصعب أن تقدّم لنا الولايات المتحدة شيئاً في هذه المرحلة. نحن بحاجة إلى صياغة بديل آخر، أو أن نعود لنجتمع مع ترامب مرّة أخرى ونتحدّث حول الأمن فقط، وليس مجرّد حملة تجارية».

 

ومن المرجّح أيضاً أن يقوّض الهجوم آمال ترامب في توسيع «اتفاقات أبراهام»، وهي سلسلة من الاتفاقات التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 2020 وأقامت بموجبها الإمارات والبحرين علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل.

 

ولم تكن قطر طرفاً في تلك الاتفاقات، كما كانت لها توترات مع بعض جيرانها الخليجيِّين. لكنّ الهجوم وحّد دول الخليج في إدانة إسرائيل، وأثار مخاوف مشتركة بشأن هشاشتهم. فزار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حاكم الإمارات، قطر أمس برفقة مستشاره الأمني الوطني القوي الشيخ طحنون بن زايد.

 

وأوضح جوزيف فرسخ، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية المختص بشبه الجزيرة العربية: «إنّ شركاء الولايات المتحدة وصانعي السياسات الأميركيِّين أنفسهم بدأوا يُدركون متأخّرين أنّ العقلية العسكرية لإسرائيل تمثل تهديداً للمنطقة بأسرها»، على المدى الطويل ستدرك دول الخليج أنّ «التعاون مع إسرائيل ببساطة مضرّ بالأعمال».

الأكثر قراءة